الشارقة - ميرفت الخطيب: ..قصة تحمل في جنباتها أسمى معاني الطموح والتحدي، وتمثل تجسيداً ملموساً للإرادة في أبهى صورها، قصة إنسانة كافحت سلسلةً من العقبات القاسية، وفاء بركة، بدأت مأساتها منذ الولادة حين ابتلاها الله بأن تولد كفيفة، لتجد نفسها في اختبار صعب، وتمتد فصول المأساة بفصل مفجع حينما فارق والداها الحياة وهي في مقتبل العمر، ومشوارها الشاق، يكتمل بصفحة أخرى تسطر حجم التحديات التي خاضتها هذه الإنسانة، حين أصيبت بالسرطان منذ ست سنوات .

وفاء الإنسانة المثابرة استطاعت مواجهة كل التحديات والعقبات، تروي مأساتها ل "الخليج" فتقول: أنا فلسطينية من سكان لبنان، ولدت كفيفة، فوجدت نفسي منذ الصغر في تحد صعب، بالمقارنة مع أقراني من الأطفال الآخرين، إلا أنني حصلت منذ بداية المشوار على الدعم القوي من والدي، الذي كان معلماً ويؤمن بأهمية التعليم، وأنه السلاح الوحيد كي نشق طريقنا بنجاح في دروب الحياة، لذا أبى والدي إلا أن أكمل تعليمي، فالتحقت بمدرسة داخلية خاصة بالمكفوفين في بعبدا بلبنان، وأكملت فيها تعليمي حتى الصف السابع، وكنت حينها أفتقد والديّ وعائلتي لفترات قد تطول إلى 4 أشهر، بسبب الحرب اللبنانية، ثم فجعنا أنا وإخوتي بمأساة مزدوجة، حين توفي والديّ نتيجة قذيفة استهدفت منزلنا، كنت حينها في ال 16 من عمري .
وعن كيفية انتقالها إلى الإمارات، قالت: "انتقل معظم أهل والدي للعيش في دولة الإمارات منذ أمد بعيد، وبعد فجيعة العائلة بمفارقة والديّ تكفّل جدي وعمي وأخي بجلبنا أنا وإخوتي، ويبلغ مجموعنا عشرة أشخاص إلى الإمارات المعطاء، وقد مضى على وجودي الآن في الإمارات عشر سنوات، وهي الفترة الذهبية من حياتي، حيث إنني وعلى الرغم من مواجهتي بعض الصعوبات في البداية، لكنني بعدها تعرفت وانتسبت إلى جمعية المكفوفين التي أصبح اسمها جمعية الإعاقة البصرية، وفي الجمعية بدأت أتعلم كيف أتعامل مع احتياجاتي الخاصة وأوظفها بفاعلية تمكنني من شق طريقي في الحياة بنجاح، وحرصت الجمعية على تعليمي التقنيات المخصصة للمكفوفين والتي جعلت حياتي أسهل بكثير، كما حصلت على دعم كبير من عمي إبراهيم بركة مدير مدرسة الشعلة في الشارقة، الذي وفّر لي أساتذة يسجلون لي المواد الدراسية التي استذكرها كي أستعد للامتحانات، ولله الحمد تفوقت في هذه المسيرة، حيث حققت المركز الأول على "المنازل" في الصف التاسع رغم انقطاعي الطويل عن الدراسة، كما حصلت في شهادة الثانوية العامة أدبي على معدل 3 .87% .
كما أود أن أتقدم بالشكر الوافر لإمارة الشارقة الميمونة التي أظلتني بظلال الخير، تحت رعاية حاكمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وحرمه سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، على اهتمامهما بالمعاقين بشكل عام والمكفوفين بشكل خاص .
وتستطرد وفاء بركة: إنه لولا المنحة الكاملة للدراسة الجامعية التي حصلت عليها من الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي، مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، والتي لطالما كانت من السباقين في مجال دعم ذوي الاحتياجات الخاصة في الدولة، ما كانت لتلتحق بجامعة الشارقة أو تتخرج فيها، منوهة بأن الجامعة من أوائل الجامعات التي رحبت بالمكفوفين واستقبلتهم، حيث يصل عددهم اليوم إلى نحو 18 كفيفاً وكفيفة، في مبادرة محمودة للجامعة، في مجال دمج ذوي الاحتياجات الخاصة مع الطلبة العاديين .
وتشير وفاء إلى أنها كانت تواجه العديد من المواقف الصعبة في الجامعة نظراً لكونها كفيفة، ومن ذلك أنها كانت تخاف نزول الدرج في القاعات الجامعية، إلا أنها وجدت كماً كبيراً من المساعدة من صديقاتها والموظفات في الجامعة .
كما شكرت زوجة عمها، سميرة، التي ساندتها كثيراً في دراستها، كما في مرضها، وأهدت تخرجها وتفوقها إلى كل من ساعدها في حياتها ودراستها وإلى روح والديها، حيث كانت تتمنى وجود أبيها في يوم تخرجها الجامعي الذي حلم به كثيراً .

صحيفة الخليج – الامارات

الثلاثاء 10 رمضان 1435 هـ ، 8 يوليو 2014 م