التغيير في طريقة القراءة والكتابة للمكفوفين
شريفه المالكي
في عام 1824 قدم الفرنسي لويس برايل طريقة القراءة والكتابة المُخصصة للمكفوفين، التي تحمل اسمه حتى اليوم. وفيها يُمثل كل حرف عدداً من النقاط البارزة تصطف في عمودين أو ثلاثة، ويُمكن لضعاف البصر والمكفوفين القراءة من خلال تمرير أصابعهم على الحروف وعلامات الترقيم والأرقام والرموز الرياضية والعلامات الموسيقية، كما يُمكنهم الكتابة بواسطة ألواح مُخصصة أو أدوات إلكترونية.
وعلى الرغم من فوائدها في تيسير القراءة والكتابة للمكفوفين على مدار عقود متتالية، تراجع الاهتمام بها أخيراً، ومثلًا لم يكن بمقدور أكثر من نصف الطلاب المكفوفين في المدارس الأميركية مطلع سبعينات القرن الـ 20 قراءة الكتب المطبوعة بطريقة «برايل»، وقد تصل نسبة من يُمكنهم قراءتها حالياً إلى 10% فقط.
ومن بين أهم أسباب التراجع تغيير سياسات التعليم والاتجاه إلى تدريس الطلاب المكفوفين جنباً إلى جنب مع أقرانهم من المبصرين قدر الإمكان، وفي الفصول المشتركة لا يجري تعليم طريقة «برايل» واستخدامها، كما لا يُجيدها معظم المعلمين، ما جعل من إهمالها أمراً حتمياً.
ورافق ذلك انتشار التسجيلات الصوتية والكتب المسموعة وبرمجيات تحويل الحديث إلى نصوص، وأخرى تعمل بالأوامر الصوتية، إلا أنها لم تُقدم الكثير لمنافسة مزايا القراءة. ويصل عدد الأميركيين المكفوفين ممن يعملون إلى ربع عدد المكفوفين، وليس غريباً أن يُجيد معظمهم قراءة «برايل».
وأشارت دار نشر «ناشيونال برايل برس» في مدينة بوسطن الأميركية، إلى أهمية القراءة في مجال التعلم، وبينت أن الاستماع إلى مقالٍ صحافي يُقرأ بصوت مرتفع يختلف عن التعلم، فلا يُوجد سبيل لفهم الُمعادلات المُعقدة في التفاضل والتكامل والكيمياء من خلال الاستماع وحده.
ومع ذلك، ربما يكون أمام طريقة «برايل» سبيل لاستعادة شعبيتها مجدداً، وبدلاً من أن تُشكل التقنيات الجديدة خطراً عليها، يمكن أن تُفيدها بإعادة تقديمها للمكفوفين بأسلوب يُلائم روح العصر ويُساعدهم على اكتشاف العالم، ومن ذلك المحاولات الجارية لتطوير حواسيب لوحية مُصممة خصيصاً لتدعم شاشاتها حروف «برايل».
وتتعاون دار «ناشيونال برايل برس» مع «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» لاختبار شاشات مصنوعة من السيراميك، يتغير شكلها عند تعرضها لتيارات كهربائية. وتندرج محاولة شركة «ديزني» ضمن مشروع أوسع يُعرف باسم اللمس الإلكتروستاتيكي Electrostatic Hhaptics، ويعتمد على توليد اهتزازات في بعض أجزاء الشاشة، وبالتالي قد تبدو عند لمسها بالأصابع كما لو كانت ترتفع لتُؤلف الحروف في حين أن الشاشة ثابتة.
ومن المتوقع أن يُعرض نموذج أكثر تطوراً غداً خلال «المؤتمر العالمي للمس» World Haptics في مدينة شيكاغو الأميركية. ويستخدم النموذج الأولي، الذي طوره كل من سيل أومدرين وبرنت جيليسبي من «جامعة ميشيجان» في آن أربور، تقنية تعود إلى القرن الـ 19 باسم علم خواص الغازات أو الهواء المضغوط «نيوماتيك».
ويتضمن النموذج شاشة مزودة بشبكة من الدبابيس أو الأسنان تُساوي قطر النقاط البارزة التي تُمثل حروف «برايل»، وفي الوضع المعتاد يُماثل مستوى الدبابيس سطح الشاشة، بينما ترتفع عند الحاجة لتُكون رموز «برايل».
ويرتكز كل سن أو دبوس على غشاء من السيليكون المطاطي الذي يعلو تجويف صغير، وبدوره يرتبط التجويف بممر بالغ الصغر مليء بالهواء أو الغاز المضغوط وصمام. وحين يُنفخ الهواء عبر الصمام إلى داخل التجويف ينتفخ الغشاء ما يدفع السن فوق سطح الشاشة، وبعدما يُفتح الصمام وينطلق الهواء تعود السن مرة أخرى إلى التجويف الخفي.
ويتوافر النموذج الأولي على 56 دبوساً، أي ثمانية صفوف عرضاً وسبعة طولاً، ما يُتيح عرض صفين من الحروف وفراغات في ما بينها. ويعتقد أومدرين بإمكانية تكبير الجهاز ليتساوى مع حجم الحاسوب اللوحي العادي، ما يعني اشتماله على 12500 دبوس، ما يُوفر له عرض 26 سطراً يضم كل منها 40 حرفاً. ويرى أومدرين أن وزن مثل هذا الجهاز سيُعادل ضعفي وزن الحاسب اللوحي العادي، وقد تصل كلفته إلى 1000 دولار.
وفي نهاية الأمر قد تقود جهود دمج طريقة «برايل» في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية إلى منحها فرصة جديدة للرواج، ومساعدة آلاف المكفوفين على القراءة والكتابة.